هذه هي مسؤولية الجنرال سلطان هاشم

.

المقاله تحت باب  في السياسة
في 
20/10/2007 06:00 AM
GMT



-1-

حين جلس الجنرال سلطان هاشم احمد الطائي مع الجنرال نورمن شوارتزكوف تحت خيمة صفوان يوم الثالث من آذار عام 1991 ، كانت قد مضت أربعة أيام فقط على مذبحة المطلاع التي دمرت بالكامل الجيش العراقي المنسحب من الكويت وبضمنه فرقة حمورابي "شديدة البأس" التي فنيت عن آخرها . لم تكن هذه الجلسة كما صورتها المصادر العراقية والعربية بانها جلسة مفاوضات لوقف اطلاق النار، انما كانت جلسة تبليغ واستحصال توقيع الجنرال هاشم على شروط معدة ومكتوبة مسبقا من قبل الجانب الامريكي ، والتي بقيت تفاصيلها غير معلنة لحد الان ، ولكنها تضمنت بما لايقبل الشك شروطا مذلة ومهينة ومخزية يندى لها الجبين! واستطيع هنا الجزم قاطعا بأن حكومتنا "الوطنية" الحالية ليس لها اي علم بفحوى تلك الشروط ولااي معرفة بتلك الالتزامات التي تبناها هاشم وبقي العراق ملتزما بها رسميا لحد هذه اللحظة. لم يكن الجنرال هاشم ممثلا عن الجيش او الحكومة او الشعب العراقي بالطريقة التي يتوقعها اي عاقل، انما كان يمثل شخصيا سيده المقبور صدام حسين في قضية جوهرية اساسية واحدة انطوت على التسليم الكامل الشامل والخضوع لكل مايمليه الجانب الامريكي مقابل الحصول على ضمانات لبقاء صدام متربعا على عرشه في بغداد بينما تحترق البلاد عن آخرها في الجحيم. وقد تم ذلك على شكل اتفاقية عسكرية دولية سرية لاتعلم بها الحكومة ولايعلم بها الشعب. كانت المراسيم التي سجلتها عدسات التلفزيون العالمية باقتضاب وبثتها دون صوت تتركز على توقيع وثيقة الاستسلام المهين للجيش العراقي وعهد من الحكومة العراقية على لسان، و"بشرف قائدها المغوار" ان توقع على كل ماكتبه لها الجانب الامريكي دون قيد او شرط ولاحتى اعتراض اوسؤال او استفسار،وكان بضمن ذلك، وكما اصبح معروفا بالاستنتاج لاحقا، كان قرار الحظر الكامل لنشاط القوة الجوية العراقية وتقييد شديد لنشاط الجيش الداخلي ومنع تحركاته خارج المعسكرات المحلية، وتكبيل نشاط الحكومة وحصره فقط بمنطقة بغداد وماحواليها وشروط اخرى تتعلق بتدمير الاسلحة ودفع كلف بعثات الفحص والاشراف وغيرها الكثير مما تطور سريعا الى حصار كامل وهيمنة شاملة على الموارد وتوزيعها وخنق للانفاس وفحص ومراقبة وكاميرات دخلت حتى الى غرفة نوم البطل الثوري والمارد العروبي الجبار! وحين اندلعت الانتفاضة الشعبية في آذار وحققت نجاحات معتبرة في اربع عشر محافظة، عاد الجنرال هاشم الى شوارتزكوف ليستجدي الموافقة والسماح للجيش العراقي بقمع الانتفاضة، الامر الذي رحب به الجانب الامريكي تحت تبرير "ليس في العراق من يحل محل صدام سوى عملاء ايران ! والافضل لهم هو ابقاءه ذليلا خانعا لكنه لايزال قادرا على الحاق الموت والذل بكل العراقيين". وهكذا أوعز الجنرال شوارتزكوف بترخيص استخدام الهليكوبترات واطلاق التحركات البرية للجيش العراقي خاصة في المناطق المنتفضة مما ادى الى قمع الانتفاضة الوحشي الذي انتهى بقتل وتشريد عشرات الالوف من المناضلين وتدمير اضافي لما تبقى من الحياة المدنية ونثر الارض بالمقابر الجماعية التي لايزال اكتشافها قائما لحد الان. وكمكافأة على دوره الناجح في ابقاء سيده في عرشه أصبح الجنرال هاشم رئيسا للاركان في نيسان عام 1995 ومن ثم وزيرا للدفاع في تموز من نفس العام. فهذا هو الجنرال الذي يتباكى على مصيره المنافقون في تعارض مضحك لادعاء وطنيته وخيانته في آن واحد!! وهو المسؤول العسكري الكبير الذي كانت له من المسؤوليات الاساسية الحاسمة في مآسي الحرب العراقية الايرانية، ومسؤولياته القيادية في حملات الانفال، وكارثة الكويت، وقمع الانتفاضة. لكن مالايمكن تناسيه هو التوقيع على استسلام الجيش المذل والعمل على ضمان بقاء صدام في وقت لاتزال عشرات الالوف من جثث الجنود العراقيين مرمية في العراء تنهشها الكلاب ويأكلها الذباب في اعقاب ما سمي بمذبحة المطلاع او مذبحة طريق الموت، أو ماسماه العسكريون الامريكيون "حفلة رمي طيور الديك الرومي"

-2-

اعتاد صيادو الطيور الامريكيون ان ينصبوا الكمائن لطيور الديك الرومي في اماكن تجمعاتها في البراري الامريكية. وحين تتجمع اسراب الطيور بالالوف، يبدأ الصيادون باطلاق وابل رصاصهم الكثيف على الطيور المسالمة الثقيلة التي يصعب عليها الطيران فيردوها قتلى في مذبحة جماعية هائلة. اصبحت هذه الممارسة مثلا شعبيا أمريكيا ، وأدت الى نشوء مصطلح امريكي بحت هو ( Turkey Shoot ) الذي دخل الى القاموس العسكري فأصبح يشير الى مذبحة شاملة ينفذها جيش في جيش آخر، خاصة اذا كان الجيش الاخر مستضعفا من ناحية العدة او العدد او الموقع أو اذا كان في طريقه الى الاستسلام. وقد أطلق الصحفيون والكتاب الامريكيون هذا المصطلح على المذبحة الشنيعة التي نفذها سلاح الجو الامريكي بالجيش العراقي المنهزم والشارد على الطريق العام بين الكويت والعراق عام 1991 والتي تعتبر من ابشع مذابح الحروب في التأريخ العسكري. تلك الجريمة الكبرى التي حاول ولايزال يحاول العديد من المواطنين الامريكيين الشرفاء في اعتبارها مادة اساسية لدعوى قضائية في أمل ان يساق فيها المسؤولون الامريكيون الى محكمة دولية بتهم جرائم الحروب والابادة الجماعية وخروقات معاهدات جنيف.

خلال الشهر والنصف الاولين من عام 1991 قصف طيران التحالف بشكل وحشي ومتواصل كل شبر من ارض العراق مدمرا بالكامل كل المراكز الحيوية العسكرية والمدنية ومحولا حياة العراقيين الى جحيم حقيقي في وقت مازال المقبور صدام يصرح ببلاهة متناهية " ليقصفوا كما شاؤوا فأن سلاح الطيران لم يكسب اي حرب من قبل" !! وبعد سلسلة طويلة من العفرتات الفارغة وافق هذا القائد الاغبر على الانسحاب في وقت لم يكن لديه اي وسيلة اتصال بجيشه المرابط بالكويت والذي يعاني من شحة قاسية في الامدادات وفوضى الاتصالات وتراجع المعنويات تحت القصف المستمر، وكانت موافقته بحجة القبول بالمبادرة السوفيتية التي رفضها الامريكيون في الحال من اجل استغلال الفرصة لتدمير جيشه العرمرم الذي تباهى مغرورا به كثالث جيش في العالم. ولم يتمكن من ايصال أوامره بالانسحاب الا بواسطة اذاعة بغداد المدنية التي لاتصل موجاتها الى الكويت بسبب اعتراضات البث والتشويش عليه لكن الاخبار وصلت اخيرا الى الجيش ولكن بشكل مشوه وغير اكيد مما ادى الى انسحاب الجيش غير النظامي وغير المتأني من الكويت في مساء السادس والعشرين من شباط عام 1991. كان الاستطلاع الامريكي يراقب عن كثب وينتظر ان تكتمل ارتال الجيش العراقي على طول الطريق العام رقم 80 الممتد بين مدينة الكويت والعبدلي، وكان سلاح الطيران يتهيأ الى اضخم عملية قصف وصفها بعدئذ المجرم كولن باول باستراتيجية "قطع الجيش من الطرفين وقتله بالكامل". وهكذا بدأ القصف المكثف أولا على بداية ونهاية الرتل الممتد على طول 60 ميل.حتى اذا تم حصر كل الجيش بين النهايتين المسدودتين ، وايقاف حركة مروره ،حيث لامهرب ولاسبيل، استمر القصف المكثف حتى صباح اليوم التالي حين كشف نور الشمس آلافا من المركبات والدبابات المحترقة ومعها عشرات الالوف من الجثث المتناثرة والمتفحمة في مقاعدها. وكان الصحفي الشهير روبرت فسك قد وصل الى المكان في اليوم التالي ووصف المشهد المرعب في كتابه "حرب الحضارة" مصرحا بأنه رأى مئات الجثث واعتقد ان آلافا اخرى من الجثث لم يترك تدميرها آثارا غير الرماد. كما وتوافد الى المكان

الصحفيون من كل مكان وكان من ضمنهم الصحفية جويس شدياق التي اعطت شهادتها امام لجنة مسائلة نيويورك في 11 مايس 1991، والتي قالت فيها انها تفحصت مئات المركبات المحترقة بركابها المتحجرين كالفحم في مشاهد مهولة ومقززة تفوق ماتختلقه السينما من اهوال. أما فرانك سواكرت قائد احد اسراب الطيران المشاركة في القصف فقد صرح الى الواشنطن بوست في عددها ليوم 11 آذار 1991معترفا بأنه وزملائه لم يقصفوا جيشا مقاتلا انما قتلوه مثلما يقتل البط الجالس على سطح الماء. وهذه هي النقطة الكبرى التي تشكل خرقا فاضحا لمعاهدة جنيف لعام 1949 التي تحرم قتل الجيش المتراجع او المستسلم او غير المشترك فعليا بالقتال، اضافة الى تأكيدها على وجوب استكمال فحص وتشخيص ودفن القتلى بطريقة تليق بكرامة الشهداء. لكن جثث ا لجنود العراقيين تركت تتفسخ في الصحراء وتنهش من قبل الكلاب السائبة.

ان من يتقاسم مسؤولية هذه الجريمة الشائنة من بين جرائم الحرب الاخرى هو الجانب الامريكي المتمثل بجورج بوش الاب ودك جيني وكولن باول وبول ولفووتز ونورمن شوارتزكوف والجانب العراقي متمثلا ببطل العروبة المقبور وجلاوزته الكبار مثل سلطان هاشم. واذا كان الحاضر المرتبك والمريب يسمح بالمماطلات والمماحكات الفكرية والسياسية ويسمح بتمرير الاعذار والاكاذيب ،فان المستقبل والتاريخ الموثق لايرحمان أيا من اولئك المجرمين.